في نظريات الخلق عند المسلمين

2
في الفلسفة توجد نظريتين للخلق عند المسلمين، وبعيد عن القصة وسردها لكن بالطريقة الذي أوجد الله بها العالم انشق المسلمون لفرق..

النظرية الأولى: الإبداع والخلق..ومنها جاءت صفتي (الخالق والبديع) وفيها أن هاتين الصفتين هما صفات فعل أي حدوث عند الأشاعرة، لأن الله خلق الإنسان مثلا ولكن لم يخلق العنقاء بعد لكنه قادر على خلقها لذلك وصلوا إلى أن صفة القدرة هي صفة ذات مع ستة صفات آخرين أجملوها بما يعرف (بالصفات السبعة)

ومجمل الصفات السبعة هي (العلم والحياه والقدرة والسمع والبصروالإرادة والكلام) ومعناها أنه لا يجوز سلب هذه الصفات عن الله أي لا يجوز القول بأن الله لا يعلم أو ميت أو لا يقدر أو لا يسمع..وهكذا، لكن يجوز القول أنه لم يخلق كما تقدم في مثال العنقاء، لذلك فالخلق عند الأشعرية صفة فعل حادث ومعها طبعا صفة البديع، لكن المعتزلة اختلفوا مع تلك الصفات خصوصا صفة "الإرادة" فيجوز لديهم أن الله "لا يريد الشر" وبالتالي فالإرادة عند المعتزلة صفة ذات وفعل معا، أي هي قائمة مع الله بذاته وفي نفس الوقت يجوز سلبها عن الله بمقتضيات العدل لاتفاق المسلمين عموما أن الله (لا يظلم) والسلب هنا بمقتضى عدم الظلم لا بمدلول الانتقاص كما يتهمهم الأشاعرة والحنابلة.

بعض فرق الشيعة كالإسماعيلية قالوا بخلق الله للعقل وإبداعه بصفات كمال، وقرأت قديما بعضا من كتاب الفقيه الإسماعيلي حميد الكرماني "في راحة العقل" وفيه أن الله أوجد في أول مبدعٍ أبدعه (وهو العقل) كل صفات الكمال الخاصة به، لذلك فالإسماعيلية هنا يتعبدون لله بالعقل ليس لمجرد كونه وسيلة فهم وتحقيق فقط..بل باعتباره سر وجود الحياة والبشرية حتى سموه العقل الأول وكل ما يتعلق به من صفات كمال إلهية كالموجود الأول والقادر الأول والحي الأول..وهكذا، وعندهم تفسير لماذا لم يصف الله نفسه بالعقل في القرآن بل بالعلم..أن الله بعلمه وإبداعه وخلقه أوجد العقل، بينما العلم والإبداع أشمل من التعقل لجواز أن يكون هناك علما غير عقلي..ومن هنا قال بعضهم بالدين الروحاني أو الغنوصي أيضا..فالإسماعيلية هنا يجمعون بين العقل والروح في تفسيرهم للدين..

أما النظرية الثانية: فهي نظرية الفيض..وهذه التي يؤمن بها كثير من المتصوفة وبعض الفلاسفة كالفارابي وابن سينا وإخوان الصفا، ومؤداها – غالبا - عقيدة (وحدة الوجود) ومعناها أن الله أفاض من صفاته ليخلق الكون، فكل مخلوق به من فيض الله وصفاته كجنس ..ولوجود اتصال فيض هنا اعتبر قولهم بالفيض هو أن الله ومخلوقاته وكونه واحد، ويأولون صفات الخلق والبديع على هذا النحو الفيضي الذي يلزمه تفسير أخلاقي للكون بأن الفيض والمشترك الوصفي بين الله ومخلوقاته يعني وجود صلة بين العبد وربه لا تنقطع أبدا مهما أخطأ..وطبيعي أن من ينظر للكون بنظرية الفيض هذه (يتطرف في الرحمة) باعتبار أن صفتي الرحمن والرحيم لله متوجبة في عباده وهي على نشوء هذا الكون بالفيض..

قلت تطرف في الرحمة لأن كل سلوك يقبل الزيادة والنقصان، فالعقل به تطرف أيضا لكون العقل سلوك إنساني بالأساس يتطور بالخبرة والتراكم ، وهذا يعني أن هناك نوع من الرحمة والعقل مرفوض عند البشر بأدلة عقلية وأخلاقية معا..شئ أدى بعد ذلك لإيجاد تعارض وتباين بين الدين والقانون أو بين الأخلاق والقانون..أو بين كل ذلك وبين المصلحة..

نظرية الفيض قديمة قال بها فلاسفة الأفلاطونية المحدثة مما يعني أن منشأها يوناني، ومن ذلك يُفهم لماذا آمن بها الفارابي وابن سينا وشرحوها، مع الاختلاف في نتيجة وحدة الوجود لأن الفارابي وابن سينا قالوا أيضا بالعقل الأول الإسماعيلي، وكلا النظريتين الفيض والعقل الأول مختلفتين..ومن ذلك رأى البعض تعارضا بين الأمرين وأسهبوا في شروحات وتبريرات لمواقف هؤلاء الفلاسفة، وإن كنت أظن أن فلاسفة المشائية المسلمون عموما لم يهتموا لا بالفيض ولا بالعقل الأول كما نظن، بل اهتموا بالتفسير (العملي للكون) وكيف يحققون العدالة والعلم بالأحياء والجمادات..

بالمناسبة : الفيديو الذي نشرته على صفحتي بالفيس بوك للشيخ "أمين صبري" رضي الله عنه وأرضاه والذي يقول فيه بأن المرأة لا تصلح للنبوة والرسالات لأن مهبلها فارغ كعقلها استخدم فيه وسيلة من وسائل الشيوخ والرهبان القديمة وهي "التأنيس" أي يقول للناس ما يرغبوه ويأنسوه بالظاهر، فقال "طالما أن عالم الأمر العلوي – يقصد الله – أرسل أنبياء ذكورا فهو ليس تصرفا عفويا بل له حكمة طبية كذا وكذا" وتلك الطريقة يستخدمها دراويش الإعجاز العلمي بكثرة، فهي فوق أنها تخاطب شعورهم الديني وتُرضي نفسهم التوّاقة للإنجاز والتفرد هو أيضا يعيد إحياء صورة المرأة في فكر الفلاسفة القدماء..

وهذا غريب..

كل الفلاسفة المسلمين القدماء اتخذوا هذا الموقف العنصري من المرأة خصوصا ابن رشد وإخوان الصفا، وللدكتورة "أسماء عريبي" وهي باحثة ليبية رسالة جمعت فيها مواقف هؤلاء الفلاسفة من النساء، ومن يرد الزيادة فليقرأ أيضا كتاب "جسد المرأة الغواية" لرجاء نعمة، وفيه جمعت مواقف فلاسفة الغرب من النساء أيضا وفيه نفس الرؤية الذكورية القديمة، مما يعني أن أي فكرة عقلية وفلسفية وسياسية واجتماعية ودينية حاليا ضد المرأة وتبرر الظلم الذكوري ضدها له مرجعية قديمة بالمُجمل لم يسلم منها أحد، وطبيعي أن تتوافق رؤيته مع أفكار مجتمع أمي جاهل لم يتخلص بعد من رؤية رجال الدين..ما بالك بفلاسفة الأنوار

طب ما علاقة نظريات الخلق بالمرأة

قلت: لكي تعلم جيدا أن أقوال القدماء في الفلسفة والإلهيات لم يكن معمما بالشكل الذي نفهمه أنه يخص العدالة والمساواه بين الجميع، كان القدماء يقولون بفساد فكرة المساواه بين الحر والعبد، وبين المرأة والرجل، وبالتالي خلق الكون ونظرياته المتعددة ومفاهيم العدل لم يكن بصورة واحدة أو على الأقل ليس كما نفهمه في عصر حقوق الإنسان، مما يعني أن جوهر وأساس فكرة الخلق والإيجاد ومعنى الحياه والكون الآن قابل للمراجعة حسب هذا الميثاق الحقوقي على الأقل فلسفيا.

التعليقات

  1. ما علاقة وضع المرأة في نظريات الخلق، أتمنى لو تكمل الموضوع في مقالات قادمة

    ردحذف
    الردود
    1. في الشطر الأخير الخاص بعدم تقجيس كلام الفلاسفة القدماء الذين رأوا صورة الكون والخلق من منظور وجودي يخص مجتمعهم

      حذف

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مقدمة في دواعش الفن المصري (5)

 منذ أيام انشغل الوسط الفني والثقافي والشعبي المصري بتصريحات الفنان "يوسف الشريف" التي يقول فيها برفضه القاطع ملامسة أي فنانة أو أ...

موقع الباحث سامح عسكر الرسمي